• English
  • کوردی

النأي بالشَّراكات عن الاستقطابات: زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية وأبعادها الجيوسياسية

زيارة مهمة في سياق إقليمي ودولي مُتغيِّر
إعادة التفكير في الأمن في الشرق الأوسط

12/10/2022 9:14:00 PM

  محمد برهومة

نقاط أساسية
   * زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية، وحضوره ثلاث قمم سعودية، وخليجية، وعربية مع قادة دول المنطقة، تُمثِّل تتويجاً للشراكة التجارية الاستراتيجية المتنامية بين بيجين ودول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج. 

  * تحاول دول الخليج العربية الدفع باتجاه تقوية مقاربتها التي ترى أن حدّة الاستقطابات بين القوى العالمية الكبرى لا يخدم مصالح دول الخليج، وأن إصرارها على تنويع الشراكات الاستراتيجية قد يساعد في تخفيف عوامل الصراع بين القوى العظمى.

  * مع أن دول الخليج لا تتردد في التأكيد على أن علاقتها الجيو-أمنية الاستراتيجية الأساسية هي مع الولايات المتحدة، لكن ما دام هناك حالة من السيولة في النظام الدولي، فإن تنويع الشراكات الاستراتيجية يعد خياراً أساسياً لدول المنطقة، لحفظ مصالحها الوطنية وتعزيز الاستقرار.

تُمثّل زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة العربية السعودية، وحضوره ثلاث قمم (سعودية وخليجية وعربية) مع قادة دول المنطقة، تتويجاً للشراكة التجارية الاستراتيجية المتنامية بين بيجين ودول المنطقة، وخصوصاً دول الخليج. ولعلّ من أكثر الأسئلة التي تتكرر في هذا المجال الاستفهام عن الموقف الأمريكي وكيفية تفاعله مع ديناميات إقليمية ودولية تتعلق بالصين وتشابكات علاقتها مع شركاء الولايات المتحدة وأصدقائها.

 

من جانبها، أعلنت الولايات المتحدة في تعليقها على الزيارة أنها لا تطلب من الدول الأخرى الاختيار بينها وبين الصين. وأكد جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، أنه "إذا أراد أصدقاؤنا وشركاؤنا في الشرق الأوسط مقابلة الرئيس شي جين بينغ والتحدث معه حول مجموعة من القضايا، فمن المؤكد أن هذا حقهم ونحن نحترم ذلك"، موضحاً أن ما تركز عليه الولايات المتحدة هو "علاقاتها ومصالحها الأمنية في الشرق الأوسط، على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف".

 

وكان متحدث باسم الخارجية الأمريكية، قد علّق على زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، في تصريحات لقناة "الحرة"، بأن الولايات المتحدة "لديها علاقة مع الصين، وكذلك حلفاؤنا وشركاؤنا في جميع أنحاء العالم". وقال المتحدث، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، "لا يحق لنا أن نقول كيف يجب أن تبدو العلاقة الثنائية بين أي دولتين عندما لا تكون الولايات المتحدة من بين هذين البلدين". وأشار المتحدث، حسب القناة، إلى أن "الدول ستتخذ قراراتها السيادية بشأن سياستها الخارجية وعلاقاتها وشراكاتها وتحالفاتها. هدفنا هو منح البلدان في جميع أنحاء العالم خياراً، وجعل اختيار الولايات المتحدة وما نطرحه على الطاولة الخيار الأكثر جاذبية من بين كل الخيارات المتوفرة".

 

زيارة مهمة في سياق إقليمي ودولي مُتغيِّر

زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية مُنتَظرة منذ فترة، وليست مفاجئة، والموقفان الخليجي والعربي متفقان على أن الصين قوة اقتصادية عالمية رئيسة لا يمكن الاستغناء عنها أو تجنُّب التعامل معها في ظل بيئة استراتيجية دولية وإقليمية متغيرة؛ يبدو معها "التوجه الاقتصادي شرقاً" انعكاساً لاعتبارات أن النظام الدولي يتجه لمزيد من التعددية، وأن هناك مصالح تجارية استراتيجية كبيرة مع الصين، يُعززها توجه دول الخليج وغيرها لتنويع شراكاتها الاستراتيجية، وتوسيع حجم اقتصاداتها، وتنفيذ رؤاها وخططها التنموية، والتفاعل مع تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية؛ التي سلّطت مزيداً من الأهمية على ملف أمن الطاقة، ودور دول الخليج المحوري فيه. هذا كله منح المنطقة ميزة استراتيجية إضافية، تحاول دولها توظيفها لخدمة مصالحها الوطنية، وتعزيز استقرار الاقتصاد العالمي.

 

وتحاول دول الخليج العربية أن تدفع باتجاه تقوية مقاربتها التي ترى أن حدّة الاستقطابات بين القوى العالمية الكبرى لا يخدم مصالح دول الخليج، وأن إصرارها على تنويع الشراكات الاستراتيجية قد يساعد في تخفيف عوامل الصراع بين القوى العالمية الكبرى، ويحول دون سيناريو "حرب باردة جديدة"، واضطرار الدول إلى الانقسام بين محور عالمي مع أو ضد.

 

وكما ذكرتُ في تحليل سابق، فإنّ السعي نحو تجنُّب الاستقطابات الحادة بين اللاعبين الدوليين يخدم رؤية دول الخليج لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على صادرات النفط والغاز الطبيعي، ولتأكيد نفسها مُنافِساً اقتصادياً عالمياً قادراً على البقاء. وفي هذا الصدد يُشير سفير دولة الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، إلى أن الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول ذات التفكير المماثل في الشرق الأوسط تُرحب بالمشاركة الأمريكية المستمرة، لكنه يُجادل بأن المنطقة لا يمكن أن تتجاهل الصين، التي تعتمد عليها في الاستثمار وسوقاً لصادرات الطاقة. ونتيجة لذلك، يؤكد السفير الإماراتي أن الدول العربية - من أجل مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية - لا تريد أن تَعلَقَ وسط مواجهة شبيهة بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين؛ من شأنها أن تُجبرها على اختيار أحد الجانبين بين القوتين العالميتين.

 

وكان المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الدكتور أنور قرقاش، قد وصف التقارير حول لقاء الرئيسين الأمريكي والصيني في بالي بإندونيسيا ضمن قمة العشرين، منتصف نوفمبر 2022، بأنها "مُشجِّعة"، مؤكداً أن "التواصل المستمر وإدارة المنافسة الاستراتيجية بين الصين والولايات المتحدة ضروريان للمضي قدماً". وذهب الدكتور قرقاش إلى أن "العلاقة الصحية بين الصين والولايات المتحدة أمر جيد للنظام الدولي". 

 

تعديل الصورة

وتعمل أطراف فاعلة في الإقليم على محاولة تغيير بعض ملامح صورة المنطقة لدى الدول الغربية؛ من خلال مساعي التعاون الإقليمي وخفض التصعيد وتوسيع الشراكات مع الاقتصادات الكبرى والناشئة، بما قد يسمح بتعزيز مقاربة "وقف ارتباط المنطقة بالأزمات، الأمر الذي ينعكس عليها بالاستقرار وضمان مستقبل مزدهر لشعوب الإقليم كافة... [لا سيما في ظل أن] النظام الدولي اليوم يشهد تغيرات تتسم بالصراع على النفوذ والاستقطاب؛ وهي حالة فرضتها التحديات التي يمر بها العالم، والشلل في آلياته بالحفاظ على السلام والاستقرار".

 

وتُطالب أصوات خليجية الشركاء الدوليين بإدراك واستيعاب المتغيرات في هيكل توزيع القوة والتأثير في المنطقة العربية والشرق الأوسط؛ حيث برز الخليج العربي بوصفه مركزاً محورياً في خارطة المنطقة والعالم. كما أن ثمة توجهاً خليجياً يتعزز متعلقاً بإدارة دول الخليج لتحالفاتها وشراكاتها وفق مصالحها الوطنية، وإحساسها بتنامي مكانتها الأساسية ضمن خارطة الفاعلين الإقليميين. وتؤكد هذه الأصوات أن الخليج اليوم لديه حضور أقوى ونظرة عامة للمستقبل، ويريد أن يشارك في صنع منطقة مستدامة ومستقرة. 

 

وحسب هذه القراءة، هناك مطالبة بأن تعيد الدول الغربية النظر في مفاهيمها تجاه منطقة الخليج، بحيث تبتعد عن النظرة والصورة الجامدة التي تختزل الخليج في عوامل القبيلة والدين والنفط فقط، دون الأخذ بالتحليل العميق تصاعد المكانة المركزية للخليج في العقدين الأخيرين، على الأقل، في صناعة المشهد الإقليمي والسياسات الإقليمية، فضلاً عن تقدّم مسار الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول. وتطمح دول الخليج إلى إقامة علاقات وشراكات مع جميع الفاعلين الدوليين على صيغة رابح-رابح، وهذا يعكس، أيضاً، تصاعد الوطنية الخليجية، التي تدعو إلى أخذ مصالح الجميع في الاعتبار، وليس القوى العالمية الكبرى فقط. 

 

إن هذه المعاني حاضرة بقوة مع زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية وعقده لقاءات متعددة مع قادة المنطقة. ولا تتردد دول الخليج في التأكيد المستمر الواضح أن علاقتها الجيو-أمنية الاستراتيجية الأساسية هي مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك من يلفت إلى أن دول الخليج تمكَّنت حتى الآن "من الحفاظ على موقف محايد دون المساومة على العلاقات القائمة منذ فترة طويلة مع أي من الجانبين. لم تعد هذه الدول تعتبر نفسها لاعبين من الدرجة الثالثة أو لاعبين ثانويين، ليس فقط في منطقتهم ولكن في جميع أنحاء العالم".

 

الاستنتاجات

تؤكد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية ولقاؤه قادة دول المنطقة في إطار ثلاث قمم سعودية، وخليجية، وعربية، تنامي علاقات دول المنطقة مع العملاق الاقتصادي الآسيوي. كما تؤكد حرص دول المنطقة، قدر المستطاع، على ألا تكون منطقة الشرق الأوسط ميداناً لحدّة الاستقطابات بين القوى العالمية الكبرى. وما دام أن هناك حالة من السيولة في النظام الدولي، فإن تنويع الشراكات الاستراتيجية يعد خياراً أساسياً لدول المنطقة، لحفظ مصالحها الوطنية وتعزيز الاستقرار.

 

 وفي ظل حالة الغموض الاستراتيجيّ في المشهد الدولي؛ من الضروري إدارة هذه المرحلة بحنكة ومهارة دبلوماسيّة. ولربما يصحّ استنتاج من يرى أن "القوى الإقليميّة تُفضّل نظاماً عالميّاً متعدّد الأقطاب، فقط لأنه يعطيها مروحة وحريّة كبيرة في خياراتها الاستراتيجيّة".

 

                           ****                                     ****                                           ****

 

محمد برهومة/ باحث أول في مركز الإمارات للسياسات، ورئيس الوحدة الخليجية في المركز. تتركز اهتماماته البحثية على السياسة الخارجية الإماراتية، والشأنين الخليجي والإقليمي، كما له اهتمامات فكرية، وصدر له كتاب بعنوان الوعي الأخلاقي ودوره في الإصلاح الديني. لبرهومة مشاركات منشورة في مجلة السياسة الدولية (مصر)، ومجلة الدراسات الفلسطينية (لبنان)، وفي مركز كارنيغي للشرق الأوسط، وهو من كتّاب ومُحللي صحيفة "الحياة" اللندنية في الفترة ما بين 1994-2019، وصحيفة "الغد" الأردنية (2007-2018).