• English
  • کوردی

مجدداً.... روس نفط

جندي عراقي يقف ملوحاً بعلامة النصر قرب لافتة لمنشأة حكومية في كركوك
أمن الطاقة

12/2/2017 6:38:00 PM

قال وزير النفط العراقي جبار علي لعيبي إن بلاده تعتزم طرح مناقصة في الأيام القليلة المقبلة، لمد خط أنابيب جديد لتصدير النفط الخام من حقول كركوك.
وبين لعیبیي للصحافيين في العاصمة النمساوية فيينا، إن خط الأنابيب الجديد سينقل 300 ألف برميل يومياً، وأن الإنتاج الحالي من كركوك الذي يصل إلى نحو 80 ألف برميل يومياً يُنقل بالشاحنات إلى محطات الكهرباء والمصافي المحلية، ولا يُصدر منه شيئاً، وأن العراق بصدد فتح حوار مع شركة روس نفط الروسية الحكومية.
ومن المؤمل أن يحل خط الأنابيب الجديد محل القديم والمعطوب، بسبب ما تقول وزارة النفط إنها هجمات متكررة كان يشنها عناصر داعش على ذلك الخط حينما كان التنظيم يسيطر على محافظة نينوى في السنوات الثلاث الماضية، هذا بالإضافة لتجاوزات مهربي النفط الكثيرة جداً، ومن المزمع أن يبدأ الأنبوب الجديد من مدينة بيجي ويمتد حتى معبر فيشخابور الحدودي مع تركيا، ليصل إلى ميناء جيهان.
يأتي هذا التطور بعد أن كُشفت مؤخراً عن زيارة وفد من قطاع الطاقة التركية إلى العاصمة بغداد، حيث التقى بمسؤولين كبار في شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، لمناقشة إمكانية استئناف صادرات نفط كركوك إلى العالم في أقرب فرصة ممكنة.

إيران تستنشق رائحة الخام الكركوكي القريب
إيران كانت قد سبقت تركيا بهذا المسعى حينما وقعت قبل أشهر قليلة اتفاقية مبدئية مع العراق لتصدير النفط من حقول كركوك إلى إيران بمعدل يتراوح ما بين 30 و60 ألف برميل يومياً، على أن تنقل الكميات المذكورة عبر الشاحنات إلى نقطة الحدود المشتركة بين البلدين قرب محافظة كرمانشاه، وهو ما يتناغم تماماً مع توجه الجمهورية الإسلامية الجديد لتصدير النفط الإيراني إلى العالم، من حقول جنوب البلاد البعيدة جغرافياً عن العاصمة طهران وشمال البلاد، حيث تتركز غالبية السكان والمعامل، والاعتماد على النفط العراقي القريب والرخيص، كما يحدث مع الأردن على سبيل المثال، نوعاً ما للاستهلاك المحلي، فمشيئة الأقدار وضعت العاصمة طهران أقرب من حيث المسافة إلى حقول العراق النفطية منها إلى حقول إيران.
هذان الاتفاقان، إذا ما تمّا، فسيضيفان منفذان تصديريان للعراق أحدهما قديم متجدد وهو التركي، والآخر جديد كلياً وهو الإيراني، علهما يسهما بتصريف نفط كركوك أكثر من السابق، وتحقيق جدوى اقتصادية للعراق المثقل بالديون وعجز الموازنة، هذا فضلاً عن تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار، وخاصة تركيا.
تندرج هذه المساعي العراقية ضمن ما يراه المراقبون حرصاً متزايداً على تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع دول الجوار لإدامة وارادات النفط إلى الأسواق العالمية بعد الواقع الجديد الذي فرضته بغداد على إقليم كردستان، الذي كان سابقاً يصدر نفط كركوك عبر تركيا دون علم الحكومة الاتحادية، حيث سيطرت السلطات الاتحادية العراقية على حقول النفط الكركوكية مؤخراً، وذلك بعد إجراء استفتاء الاستقلال في الإقليم وما تبعه من قرارات صدرت عن حكومة وبرلمان العراق لبسط السلطة الاتحادية على كل أراضي البلاد، ومنذ ذاك الحين توقفت صادرات تلك الحقول.
المراقبون يتوقعون أن يحتاج العراق 3 أشهر على الأقل لإصلاح خط الأنابيب القديم بالكامل ولكنه، على ما يبدو يريد مد خط جديد، يكون بعيداً جغرافياً عما تبقى من أراضي إقليم كردستان، الذي خسر قرابة نصف أراضيه التي كان يحكمها قبل منتصف الشهر الماضي، ويريد طمر الخط القديم أو إزالته بالكامل، لكي يبعث برسالة جلية إلى إقليم كردستان مفادها إن الصفحة الماضية، حينما كانت أربيل تصدر النفط بعيداً عن بغداد ولا تطلعها على الصادرات والواردات، قد انتهت إلى غير رجعة.
محافظة كركوك الغنية بالنفط تمتلك من الاحتياطيات النفطية ما يقدر بـ13 مليار برميل، أي ما نسبته 12% من احتياطي العراق المستكشف، وتخطط السلطة الجديدة الحاكمة في كركوك لزيادة إنتاج المحافظة إلى مليون برميل يومياً، بعدما كان معدل الإنتاج حتى الأمس القريب نحو 400 ألف برميل يومياً، غالبيتها عبر الميناء التركي.

روس نفط تعود إلى واجهة الاحداث العراقية مجدداً
الشرکة الروسية (روس نفط) محط الاهتمام العراقي لمد الخط الأنبوبي الجديد كانت قد أبرمت قبل أحداث كركوك بفترة قصيرة عقوداً مع إقليم كردستان العراق تجاوزت قيمتها الإجمالية 3 مليارات دولار، على أن تشتري كميات من النفط الكردي بين عامي 2017 و2019 وتقاسم أرباح بيع الخام من الحقول الخمسة المتفق عليها، وكانت أربيل تنوي استثمار المبلغ المذكور في البنى التحتية، على أن يدفع عملاق الطاقة الروسي مليار دولار كدفعة مستعجلة ومسبقة للإقليم الذي وضع هذا الشرط ليستفيد منه بإسقاط ديون مستحقة عليه لشركة الطاقة الإماراتية (دانة غاز).
المراقبون قالوا حينها، إن المليار الثاني، من قيمة العقد، كان موجهاً لمد أنبوب لنقل الغاز من أربيل إلى مرفأ جيهان التركي، واستثمار المليار الثالث لتطوير الحقول النفطية الخمسة التي كانت تحت سيطرة الإقليم حينها، وهي: أفانا، باي حسن، ميران، عين زالة، وباجوان، وبعد أن تطورت الأمور العسكرية في شهر تشرين الأول الماضي لم يدفع المليار الثاني والثالث للإقليم ولم يبدأ حتى مشروع أنبوب الغاز.

إيغور سيتشن الرئيس التنفيذي لشركة (روس نفط) ذكر حينها أن حصتهم في مشروع تشغيل أنبوب النفط ستصل، بحسب الاتفاق، إلى 60%، بينما ستسحوذ مجموعة (كار) المشغلة لخط الأنابيب على النسبة المتبقية، وكانت (روسنفت) تتوقع وجود 670 مليون برميل من النفط في تلك المواقع الخمسة، ولذلك كانت مستعدة لتحمل تكاليف إجراء الدراسات والحفر، البالغة قيمتها نحو 400 مليون دولار، لتحصل بالمقابل على 80% من أرباح المشروع، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.
وزارة النفط كانت قد طلبت، على لسان وزيرها، من عملاق النفط البريطاني "بريتش بيتروليوم" تفعيل تعاون مسبق بينهما، الغرض منه زيادة إنتاج حقول كركوك إلى أكثر من 700 ألف برميل يومياً، وذلك حينما التقى لعيبي بالمدير التنفيذي للشركة في الشرق الأوسط مايكل تاونسند، وهو الامر الذي لاقى ترحيباً لدى شركة BP.
العراق الذي أعلن قبل أيام إنه بلغ رقماً قياسياً من الصادرات النفطية عبر موانئ الجنوب، أقل من 4 ملايين برميل يومياً بمائة ألف فقط، يريد إحكام السيطرة على مدينة الذهب الأسود واقتصادياً كما أحكمها عسكرياً ونوعاً ما سياسياً، ولذلك يستعين بشركتين كبيرتين، بريطانية تستخرج وروسية تنقل، ما يعني أن هاتين الدولتين العظميين ستقفان، لا محالة، إلى جانب العراق بوجه أية طموحات كردية لاسترجاع كركوك، وذلك تحت مسمى عام وهو الحفاظ على وحدة أراضي العراق، ومسمى خاص هو الحفاظ على مصالح هاتين الدولتين المستقبلية في كركوك، أضف إلى ذلك ارتياحاً تركياً لهذا التوجه، كون أنقرة تفضل استقبال النفط الكردي وهو موسوم ببصمة عراقية خالصة، أضف إلى ذلك أيضاً تقبل إيراني على استحياء، طالما إن نفط كركوك سيصلها، وطالما أن هذا الأمر برمته يخلو من أي تواجد أمريكي يزعج طهران.
الغريب في الامر إن الشركة الروسية، التي وُصفت حينما وقعت عقد المليارات الثلاثة مع حكومة إقليم كردستان بأنها تجازف وبخطورة في منطقة غير آمنة تماماً، لأنها دخلت الإقليم بعدما غادرته شركات عالمية كبرى بسبب الكساد والديون والأسعار، وحذرتها بغداد أنذاك من تجاهلها والتعامل مع أربيل مباشرة، وهو ما حدث فعلاً، ومع ذلك كانت هي الوجهة الأولى التي خاطبتها بغداد لمد الأنبوب الجديد.

                                                                                                                                                                                                                                                                                          معهد ميديتريانه
                                                                                                                                                                                                                                                                                           أنـــور صبـــاح