• English
  • کوردی

تداعيات سياسات تركيا وإيران على الأمن المائي العراقي

التداعيات السلبية للسياسات المائية لدول الجوار على الأمن المائي العراقي

12/12/2022 6:12:00 PM

   مريم علي إبراهيم

يواجه الأمن المائي في العراق مشكلة حقيقة ومعضلة امنية كبيرة كونه يهدد المصلحة العليا للدولة، ويعد الملف المائي من القضايا الساخنة والديناميكية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بسبب الخلافات بين دول المتشاطئة فضلاً عن ان مشكلة المياه هي من المشاكل التي تهدد السلم والأمن الدوليين لما لهذا الملف من تداعيات شاملة سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية وبيئية التي تجعل الدول المتشاطة عرضة للنزاعات والصراعات العسكرية.

 

سياسات تركيا وإيران اتجاه العراق واتفاقيات الدول المتشاطئة

على الرغم من تعدد مسببات أزمة المياه في العراق من حيث العوامل الجغرافية والتغيير المناخي والعوامل الديموغرافية، لكن كان للبعد الخارجي المتعلق بالسياسة الخارجية للدول الجوار تركيا وإيران اتجاه الملف المائي في العراق هو العامل الاهم في مسألة الأمن المائي العراقي في ظل مشاريع تركيا وإيران وقيام الأخيرة بتحويل اغلب روافد نهر دجلة الى داخل اراضيها مما يجعل الدولتين المتحكم الاساسي في واردات العراق المائية، وعدم اعترافها بدولية الأنهار، حيث تشترك كلا الدولتين على الرأي القائم ان نهري دجلة والفرات عابران للحدود وليسا نهرين دوليين، وهذا ما يستنكره الجانب العراقي، حيث يؤكد أن لكل نهر ظروفه الخاصة، فضلاً عن عدم مراعاة الدولتين القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي تنص على السيادة المشتركة وتضمن حصة كل دولة فعلى سبيل المثال الاتفاقيات العراقية- التركية في هذا الجانب ومنها: معاهدة لوزان 1923، اتفاقية الصداقة وحسن الجوار 1946، برتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين الدولتين 1971، وبرتوكول التعاون الاقتصادي الآخر في عام 1980، ومذكرة 2009 ومذكرة 2014.

 

أما فيما يخص الجانب الإيراني، فتستنكر طهران أيضا الاتفاقيات الدولية بين الطرفين ومنها اتفاقية شط العرب 1913، واتفاقية عام 1937 لترسيم الحدود العراقية الإيرانية، واتفاقية الجزائر وملحق الاتفاقية الخاص بالمياه عام 1975.

 

وعليه فإن دول الجوار (وخصوصا تركيا وإيران) تمارس سياسة مائية قائمة على استغلال الموارد المائية وايرادات العراق منها من خلال تضييق الخناق ببناء السدود والمشاريع فبلغت عدد المشاريع التركية على نهر الفرات 8 مشاريع للري وإنتاج الطاقة الكهربائية ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول GAP أما المشاريع على نهر دجلة فقد بلغت 9 مشاريع للري وللطاقة الكهربائية وأهم مشروع تركي وأخطرها على العراق هو سد إليسو حيث سيعمل على تخفيض منسوب المياه من 20 مليار م3 الى 9 مليار م3 وبسعة خزن 11.40 مليار م3 وتولد محطته الكهربائية طاقة تقدر بـ1200 ميغاواط.

 

وكذلك الحال في المشاريع الإيرانية حيث تعددت ع نهري دجلة والفرات على سبيل المثال السد على نهر كنكير لغرض تحويل المياه للاراضي الإيرانية وحرمان قضاء مندلي من مياه النهر والسدود والخزانات على نهر الكارون التي ادت الى توقف تدفق المياه الى شط العرب وزيادة نسبة الملوحة فيه وغيرها من السدود على الانهار الواقعة في إيران والتي ادت الى قطع المياه عن سليمانية والزاب الصغير الذي يعد اكبر رافد مائي يصب في شمال العراق في منطقة قلعة دزة وكذلك الحال في نهر سيروان وان تجفيف النهرين يعني تعطيش سكان محافظتي كركوك وسليمانية وتأثر محافظة اربيل ايضاً، بالاضافة الى المشروع على نهر الطيب عند منطقة دهلون وقطع مياه النهر وتغيير مجراه نهائياً عن العراق وتحديدأ ميسان، وتأثر نهر ديالى ايضا بالمشاريع الإيرانية باختصار قطعت إيران مياه احدى عشر نهراً يمر بالعراق وغيرت مسارها اتجاه الاراضي الإيرانية .

 

التداعيات السلبية للسياسات المائية لدول الجوار على الأمن المائي العراقي

كان لتلك السياسات انعكاسات سلبية على واقع الأمن المائي والأمن الغذائي في العراق حيث شهد العراق تصحراً وجفاف في اغلب مناطقه مثلما ما شهدناه في الفترة الأخيرة بجفاف بحيرة حمرين الاصطناعية بسبب قلة الواردات الإيرانية في محافظة ديالى الحدودية مع إيران حيث لا يتجاوز المخزون الحالي فيها 223 م3 فيما تصل طاقتها الاستيعابية الى مليارين م3 حيث صرح البنك الدولي ان المياه العذبة ستقل بنحو 20 ٪ في ظل هذه الظروف، ولن تصل المياه إلى ما يقرب من ثلث الأراضي المروية في العراق بحلول عام 2050.

 بالاضافة الى تراجع ثروات البلاد الزراعية وفقد العراق40% من اراضيه الزراعية بسبب قلة تصاريف نهري دجلة والفرات فتسعى الدولتين الى بقاء العراق مستورد كبير لسلعها وموادها الغذائية "لكبر حجم التبادل التجاري بين الدولتين حيث يعتبر العراق خامس اكبر مستورد من تركيا بقيمة 4 مليارت و200 مليون دولار في الفترة من كانون الثاني الى نيسان لعام 2022، واعلنت جمعية مصدري الحبوب والبقول والبذور التركية ان العراق يستورد مليار في 9 أشهر ويشكل هذا القطاع 41% من صادرات تركيا الغذائية لعام 2021، اما حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران فقد بلغ 8.22 مليار دولار)، بالاضافة الى الاثار الاجتماعية والاقتصادية الناتجة من هجرة المزارعين، والتركيز العالي للأملاح القادمة من إيران ونقص الوارد المائي لشط العرب والذي يعد شريان الاقتصاد العراقي، وتردي نوعية مياه النهرين بسسب مياه الصرف الناتجة عن مشاريع الري للدولتين، اما محطات دربندخان ودوكان فتقترب طاقتهما الانتاجية تدريجيا من الصفر.

 

إن السياسة الخارجية للدول الجوار (تركيا وإيران) خاضعة للتغيرات التي جرت في منطقة الشرق الأوسط مع تراجع دور العراق الإقليمي وتزايد دور الدولتين الإقليمي، وهذا لا يتم الا من خلال تبني سياسة مائية متمثلة بعدد من المشاريع التي تحقق اهداف ومصالح كل من تركيا وإيران، دون الاعتراف بمصلحة العراق وأمنه المائي والقومي بسبب فشل السياسات الحكومية المتعاقبة منذ عام 2003 في تصحيح مسار السياسة الخارحية العراقية وتفعيلها والتوصل الى اتفاق رسمي فيما يخص الملف المائي العراقي واحترام سيادة العراق وأمنه المائي، وكان رد فعل السياسة المائية المتبعة في العراق دون المستوى، وتسعى الدولتان من خلال سياساتها المتبعة إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية..الخ وتستخدم المياه كورقة ضغط لتلويح بها في حالة حصول نزاع مسلح.

 

الحلول المقترحة في الملف المائي العراقي

ومع هذا توجد حلول لحماية الأمن المائي في العراق وأهمها هو وضع استراتيجية دقيقة لإدارة الملف المائي في العراق، ومنها الوسائل الدبلوماسية في التوصل الى اتفاقية وان لا تكون سلسلة مفاوضات لا تنتج مخرجات للازمة، وتفعيل الاتفاقيات الدولية السابقة الذكر والتاكيد على دولية النهرين، ووضع تخصيص مالي تحت لجنة رقابية لغرض التوسع في بناء السدود والمشاريع المائية وادارة البنى التحتية، واستخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة للري، ووضع برامج لتدريب وتطوير الكوادر الفنية والإدارية للارتقاء بواقع السياسة المائية العراقية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال المياه من خلال وضع الخطط المهنية والاستراتيجية للتعاون مع الوزارات الأخرى ذات الشأن.

 

علاوة على ذلك ان التعاون الدولي والإقليمي ضروري في هذه الاستراتيجية من خلل الاستفادة من الحلول التى تقترحها المنظمات الدولية والإقليمية في مجال إدارة واستثمار الموارد المائية ومنها البنك الدولي والامم المتحدة وتفعيل سياسة التحالفات مع الدول الاخرى التي تدعم موقف العراق اتجاه الملف المائي، ومن المهم ان تاخذ الدولة العراقية سياسة رد من خلال استعمال الورقة الاقتصادية كخيار آخر لمواجهة السياسات المائية مع الدول المتشاطئة وخصوصاً النفط كونه اهم مورد يستفاد منه العراق، بالاضافة الى توظيف مسائل التبادل التجاري لصالح العراق باعتباره مصدرا مهما في تصريف سلع وبضائع دول المنبع واهم شريك تجاري للدولتين وتؤثر الصادرات الى العراق بشكل كبير في الاقتصاد التركي والإيراني وسبق ان بادرت الدولة العراقية بايقاف عمليات استيراد بعض السلع والمواد الغذائية التركية والإيرانية وسبب هذا الايقاف خسارة لكلا الدولتين، بالتالي تكون هذه الاصلاحات جزء من الاصلاح الاقتصادي الشامل الذي يحتاجه العراق.

 

مشكله المياه هي من المشاكل المعقدة والقابلة للتصعيد في المستقبل القريب والبعيد بسبب تعدد اطراف المشكلة وتباين المواقف السياسية والاليات القانونية وتتشابك المصالح والمكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية والتحديات التي تواجه القوى السياسية، فالأمن المائي يرتبط بالاستقرار السياسي في الدولة ويعد من اهم مرتكزات الأمن القومي في كل دولة لكونه يرتبط بمسألة وجودية مهمة وهي البقاء لذا على صناع القرار في الدولة العراقية وضع الاستراتيجيات الشاملة وتوظيف البدائل المتاحة للتعامل مع هذه الازمة التي تهدد امن العراق واستقراره من حيث تدخل القوى الخارجية وتأثيراتها السلبية وغيرها من التحديات التي تواجه الأمن المائي العراقي

 

   مريم علي إبراهيم/ باحثة في الشؤون السياسية الدولية - معهد ميديتريانة للدراسات الاقليمية

 [email protected]