اثير عيد الحسن الفتلاوي
يعد أمن الطاقة أحد المفاهيم الأساسية في الاستراتيجيات الوطنية للدول المعتمدة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها العراق، الذي يعتمد بشكل شبه كامل – بنسبة تقارب 95% – على العائدات النفطية لتمويل نفقاته العامة. وفي هذا السياق، يبرز مشروع أنبوب البصرة – العقبة كخيار استراتيجي يعزز من قدرة العراق على تنويع منافذ تصديره النفطي، وبالتالي تقليل هشاشته أمام الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية.
إن أحد أبرز التهديدات التي تواجه صادرات النفط العراقية يتمثل في الاعتماد المفرط على منفذ الخليج العربي، وخاصة مضيق هرمز، الذي يُعد ممراً حيوياً لكنه شديد الحساسية لأي توترات إقليمية أو صراعات عسكرية. وأي إغلاق أو تهديد لهذا المضيق يؤدي إلى ارتفاع أسعار التأمين، وزيادة كلفة الشحن، وتأخير الصادرات، ما يؤثر سلباً ليس فقط على العراق، بل أيضاً على الدول الحبيسة داخل الخليج أو تلك التي تفتقر إلى منافذ تصدير بديلة مثل الكويت، البحرين، قطر، وحتى إيران وجزئياً السعودية.
من جهة أخرى، فإن الدول المستهلكة للطاقة، وعلى رأسها الصين، الهند، كوريا الجنوبية، واليابان، تعتمد بشكل كبير على استقرار تدفق النفط من منطقة الخليج. وهذا يجعل من تطوير خطوط تصدير بديلة للعراق مصلحة مشتركة لكل من المنتجين والمستهلكين، ويعزز من أهمية مشروع البصرة – العقبة كحل استباقي لمواجهة التهديدات المستقبلية.
ورغم وجود اعتراضات على هذا المشروع من بعض الأطراف، استناداً إلى اعتبارات سياسية أو اقتصادية، مثل الادعاء بإمكانية استفادة “الكيان الصهيوني” منه، أو ضعف الجدوى الاقتصادية بحكم أن معظم المستوردين للنفط العراقي موجودون في جنوب شرق آسيا، فإن هذه الاعتراضات تتغافل عن المبدأ الأساسي في أمن الطاقة، وهو تنويع قنوات التصدير لتقليل المخاطر. فحتى إن كان الممر الجديد أطول أو أكثر كلفة، فإن المردود الاستراتيجي على المدى البعيد قد يكون أكبر من تكاليف التنفيذ.
وهنا يمكن استحضار التجربة الأذربيجانية، حيث لجأت باكو إلى إنشاء خط أنابيب يمتد من باكو إلى جيهان عبر تبليسي، متجنبة المرور عبر أرمينيا التي تربطها بها علاقات متوترة. رغم أن المسار كان أطول وأكثر تكلفة، إلا أنه وفر مرونة تصديرية استراتيجية ساهمت في تعزيز الأمن الطاقوي لأذربيجان، وهذا ما يمكن للعراق الاستفادة منه في حال تنفيذ مشروع البصرة – العقبة وفق تخطيط مدروس وتكلفة واقعية
منظور الجغرافيا السياسية:
يكتسب أنبوب البصرة – العقبة بعداً جيوسياسياً مهماً، إذ يسمح للعراق بالتواصل الطاقوي مع الأردن ومن خلاله مع الأسواق المتوسطية والعالمية، ما يمنحه مكانة تفاوضية أفضل ويقلل من تأثير الضغوط الإقليمية. كما يمكن أن يُحوّل العراق من مجرد مُصدر تقليدي للنفط إلى شريك إقليمي فاعل في مشاريع الطاقة العابرة للحدود، وهو ما يتماشى مع طموحاته في تعزيز دوره في سوق الطاقة العالمي.
البعد الاقتصادي الداخلي:
علاوة على الأبعاد الاستراتيجية، فإن تنفيذ مشروع الأنبوب من شأنه أن يخلق فرص عمل داخلية وينعش الاقتصاد في المناطق التي يمر بها، خاصة في محافظات الجنوب والأنبار. كما أن الاعتماد على ميناء العقبة سيساعد في تخفيف الضغط عن البنية التحتية المتهالكة في الجنوب، ويمنح العراق متنفساً إضافياً لتطوير قدراته التصديرية.
اثير عيد الحسن الفتلاوي
باحث في شؤون امن الطاقة