• English
  • کوردی

القدس.... بين التهويد والأسلمة

منظر عام لمدينة القدس القديمة
دراسات الحرب والسلام

12/17/2017 1:50:00 PM

أخيراً أعلنها الرئيس الأمريكي وبصراحة، القدس عاصمة إسرائيل، قائلاً إنه ليس كسابقيه من رؤساء بلاد العم سام، الذين وعدوا بذلك ولم يفوا، منهياً بذلك 25 سنة من محادثات السلام التي انطلقت في أوسلو عام 1993 بين فلسطين وإسرائيل، والاتفاق المبدئي على أن تكون قضية القدس من ضمن قضايا الحل النهائي، وهو الأمر الذي استبقته وتلته العديد من المواقف الدولية الرافضة له واجتماعات أممية وإقليمية وثنائية وإضرابات ومواجهات ومقاطعات وتنديدات واستنكارات كالعادة.
مدينة القدس التي ينادى الطرفان بأحقيتهما عليها، كانت حتى الأمس القريب قدسان شرقية وغربية، الشرقية كان من المزمع أن تكون هي عاصمة دولة فلسطين المستقبلية وتضم قبة الصخرة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة والمدينة القديمة التي تبلغ مساحتها 1كلم مربع وفيها أحياء اليهود والنصارى والأرمن والمسلمين، والغربية التي تضم حائط المبكى المقدس عند الديانة اليهودية، وهي كما قال ترامب: العاصمة الحالية لإسرائيل بفعل الأمر الواقع، ففيها مجلس الوزراء والكنيست والوزارات ومنازل كبار الساسة، وكان من المفترض، إذا ما طبق حل الدولتان، أن يمر الخط الحدودي الفاصل بين الصخرة والحائط وهي مسافة لا تزيد على عشرات الأمتار.
الرافضون لقرار ترامب أجمعوا على أن النتيجة شبه الحتمية هي تصاعد ردات الفعل التي يمكن أن تكون غير مسيطر عليها وتصيب المصالح الأمريكية في المنطقة من قبل بعض المنظمات التي تدرجها أمريكا على لائحتها للإرهاب، بالإضافة إلى ما أعلنته حركة حماس، على لسان زعيمها إسماعيل هنية، من دعوة لإطلاق انتفاضة شعبية ضد إسرائيل، وذهب زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر أبعد من ذلك حينما قال إنه سيكون جندي في الصفوف الأولى لأي هجوم على إسرائيل.
السلطة الفلسطينية قالت إنها لن تعتبر بعد اليوم الولايات المتحدة الأمريكية هي الراعية الوحيدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، وذلك بعد أن كانت مطالبة من قبل الفلسطينيين أنفسهم بقطع التواصل نهائياً مع واشنطن فيما يخص المفاوضات لأنها منحازة لإسرائيل، مع إن أمريكا وعلى لسان ترامب نفسه قالت أنها ستظل راعية للحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصولاً إلى الحل النهائي، الأمر الذي يفتح الباب على احتمالية الاستعانة بأطراف دولية أخرى لرعاية المفاوضات غير أمريكا أو بمعيتها، وعلى رأس قائمة الراغبين والمستعدين روسيا والاتحاد الأوروبي والصين، الذين أجمعوا على رفض الخطوة الأمريكية هذا فضلاً عن الأمم المتحدة.
إسرائيل التي احتفت بالقرار الأمريكي أيما احتفاء، وقال رئيس وزرائها أن هناك دولاً أخرى ستحذو حذو أمريكا بهذه الخطوة الدبلوماسية التي وصفتها بالمهمة جداً، ولم يفصح عن أسماء تلك الدول حتى الآن، تخشى من عدة ردود أفعال متوقعة، منها أن تجد نفسها بلا حليف عالمي مؤثر غير أمريكا، على اعتبار أن الدول الأربع العظمى في مجلس الأمن رفضت وبصراحة خلال الجلسة الطارئة الأخيرة في نيويورك، هذا القرار ووصفته بالمنفرد ولا يصب في صالح العملية التفاوضية ويعارض قرارات أممية سابقة بهذا الصدد، أضف إليهم الاتحاد الأوروبي بغالبية أعضائه، وأضف إليهم أيضاً الدول الإسلامية، ومعهم الافارقة، وأخيراً وليس آخراً دول أمريكا الجنوبية.
الدولة العبرية تخشى أيضاً من احتمالية اندلاع انتفاضة شعبية فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي تصاعدت الدعوات المحرضة عليه مؤخراً من الدخل الفلسطيني والخارج، وهكذا انتفاضة ستجد لها حتماً داعمين ماديين كإيران وحزب الله اللبناني، ومعنويين كتركيا والعرب، وغير أولئك الكثير من المتعاطفين.
المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، وجدت نفسها في موقف محرج بسبب أزمة القدس، وذلك لأنها مطالبة أكثر من غيرها باتخاذ موقف حازم تجاه هذا التطور، ولكن المملكة تمر حالياً بظروف داخلية وخارجية حرجة جداً، الداخلية هي المنعطف الحساس الذي ستمر به قبيل وبعيد تنازل العاهل سلمان بن عبد العزيز عن العرش لنجله محمد بن سلمان، الذي شن حملة اعتقالات واسعة ضد الكثير من أمراء العائلة المالكة بتهم الفساد، ولا يزال يمسك بمفاصل الحكم، حتى الآن على الأقل، بيد قوية؛ أما الخارجية فهي أكثر وأصعب من المشاكل الداخلية، في مقدمتها تصاعد العداوة الأزلية بينها وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والأسباب التقليدية لذلك معروفة، أضفا إليها الامتعاض الإيراني من تصرفات ولي العهد الشاب الذي تصفه طهران بالطائش، ناهيك عن المشكلة الأخيرة مع حزب الله، المطالب سعودياً بكف يده عن الخارج اللبناني، كالعراق وسوريا واليمن وغيرهم، وليس من الواضح إذا كانت عبارة التدخلات الخارجية المحظورة على الحزب تشمل إسرائيل أم لا، بحسب القاموس السعودي، هذا فضلاً عن معضلة اليمن، التي انعطفت بشدة بعد مقتل رئيسها السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين ألد أعداء المملكة، التي تقود تحالفاً إسلامياً لنصرة الشرعية فيها، وأخيراً وليس آخراً المشكلة الجديدة مع الجارة قطر، نصيرة حماس والإخوان المسلمون التي صارت تحسب على المعسكر الإيراني التركي.
بالعودة إلى القدس، موضع الخلاف، هذه المدينة التي اصطبغت على مر تاريخها بصبغات يهودية ومسيحية وإسلامية، كانت ولا تزال محط أنظار واهتمام الجميع، فوضعت لها العديد من المقترحات كحلول نهائية وسطى، منها وضع المدينة برمتها تحت وصاية الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي رفضته إسرائيل تماماً، ومنها تقسيم المدينة إلى شطرين، شرقي للمسلمين والمسيحيين ويضم قبة الصخرة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وغربي لليهود ويضم حائط المبكى، الذي يسميه المسلمون حائط البراق، وهذا المقترح الذي لم تكن إسرائيل تحبذه جداً لكونها لا تزال تحفر بحثاً عن هيكل سليمان وتقول إنه موجود تحت بناية المسجد الأقصى الذي سيقع كما أسلفنا في الجزء الشرقي من الخط الحدودي الفاصل، وهو الأمر الذي رفضه المسلمون بسبب التقدسية التي يتمتع بها هذا المسجد لديهم، والحل الثاني ذهب أيضاً أدراج الرياح بعدما اعترف ترامب بالقدس، دون أن يلحقها بكلمة الغربية، عاصمة لإسرائيل وقال البيت الأبيض بعد ذلك أن الرجل كان يقصد الشطر الغربي للمدينة وإن السفارة الأمريكية لن تنتقل من تل أبيب إلى القدس قبل عامين من الآن، وذلك كنوع من امتصاص ردة الفعل العالمية الغاضبة جراء قرار ترمب، الذي اتهم بأنه انحاز لإسرائيل سعياً منه لضمان ولاية رئاسية ثانية في البيت الأبيض ليس إلا.

 

قرارات المنظمة الأممية حول وضع مدينة القدس القديمة
منذ عام 1967 أصدرت الأمم المتحدة بأجهزتها المختلفة؛ مجلس الأمن والجمعية العامة، عدة قرارات بشأن مدينة القدس المتنازع عليها بين إسرائيل وفلسطين، كان من أبرزها قرار مجلس الأمن ذو الرقم 242 الذي صدر في 22 تشرين الثاني1967، ودعا فيه إسرائيل للانسحاب إلى حدود ما قبل حرب 1967، وتلاه بعد ذلك قرار رقم 252 وصدر في 2 أيار 1968، ويستنكر تنظيم عرض عسكري إسرائيلي في القدس، وبعد أيام قليلة وفي نفس الشهر صدر القرار المرقم 253، وفيه يدعو مجلس الأمن إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضع مدينة القدس، وبعد سنة تقريباً، أي في الثالث تموز 1969، صدر القرار ذو الرقم 271 ليندد بمحاولة حرق المسجد الأقصى وتدنيس الأماكن المقدسة، ثم صدر عام 1980 القرار 465 وطالب إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة، والتوقف عن تخطيط وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس، ثم صدر في الثلاثين من حزيران 1980، القرار ذو الرقم 476 وأعلن بطلان الإجراءات الإسرائيلية لتغيير طابع القدس، تلاه في 29 آب 1980، القرار 478 ويتضمن عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس، ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من تلك المدينة، ثم صدر في 12 تشرين الأول 1990، القرار المرقم 672 لاستنكار المجزرة التي وقعت داخل ساحات المسجد الأقصى والقدس، ويؤكد وصف مجلس الأمن للقدس بأنها منطقة محتلة، وبعد ذلك صدر في الثلاثين من أيلول 1996، القرار ذو الرقم 1073 ويدعو للتوقف والتراجع فوراً عن فتح مدخل لنفق بجوار المسجد الأقصى، الذي أسفر افتتاحه عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بين المدنيين الفلسطينيين، ثم القرار 1322 وصدر في السابع من تشرين الأول 2000، الذي شجب التصرف الاستفزازي المتمثل بدخول أرئيل شارون إلى الحرم المقدسي وأعمال العنف التي أسفرت عن مصرع ثمانين فلسطينيا، فالقرار 1397 والصادر في الثاني من آذار 2002، ويدعو الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف المفاوضات بشأن التوصل لتسوية سياسية حول القدس، تلاه القرار 2334 وصدر في 23 كانون الأول 2016، ويؤكد أن إنشاء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 -بما فيها القدس الشرقية- ليس له أية شرعية قانونية، ويطالب تل أبيب بوقف فوري لجميع الأنشطة الاستيطانية وعدم الاعتراف بأية تغييرات في حدود عام 1967.

الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنذ تشكيلها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصدرت هي الأخرى العديد من القرارات الأممية حول وضع مدينة القدس والصراع القائم بشأنها، كان أولها قرار رقم 181 وصدر في 29 تشرين الثاني 1947، وكان ولا يزال يعرف بـ"قانون التقسيم"، حيث أقر تقسيم الأرض الفلسطينية إلى دولة عربية وأخرى يهودية، مع وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية، ثم القرار 303 واعتمد عام 1949 عقب حرب 1948، أولى الحروب العربية الإسرائيلية، وأكد أن الأمم المتحدة لا تعترف بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ثم القرار المرقم 2253 والصادر في الرابع من تموز1967، وفيه تأسف الجمعية العامة لقرار إسرائيل تطبيق القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية، لكونها ترى ذلك غير شرعي، فالقرار15/36  وصدر في 28 تشرين الأول 1981، ويعتبر أن أية تغييرات في منطقة القدس غير شرعية، وضد القانون الدولي، وأن مثل هذه الأعمال تعدّ عائقا أمام تحقيق السلام العادل والشامل، فالقرار55/130  وصدر في 28 شباط 2001، ويطالب إسرائيل بتسهيل مهمة الجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها، ثم صدر القرار10/14  في الثامن من كانون الأول 2003، وفيه طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أن تصدر على وجه السرعة فتوى بشأن تشييد الجدار في الأراضي الفلسطينية وحول القدس الشرقية، وتبين قواعد ومبادئ القانون الدولي بهذا الشأن، ثم صدر القرار ذو الرقم 104/60 في 18 كانون الثاني 2006، وفيه طالبت الجمعية العامة اللجنة الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان أن تواصل عملها إلى حين انتهاء موا وصفته بالاحتلال الإسرائيلي بالكامل، ثم القرار 98/70 وصدر في التاسع من كانون الثاني 2015، وشجب أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوسيع المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة وحولها، وشجب مواصلة إسرائيل التشييد غير القانوني للجدار، بعد ذلك صدر القرار 96/71 في السادس من كانون الثاني 2016، ويتضمن التأكيد على أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب 1949، تنطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
منظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلوم (يونسكو) هي الأخرى أصدرت العديد من القرارات ذات العلاقة بمدينة القدس، كانت بمجملها بطلب من الدول العربية والإسلامية وبتأييد أوروبي ولاتيني، كان أولها القرار ذو الرقم 150 وصدر في 27 تشرين الثاني 1996، ويذكر أن القدس القديمة مدرجة على قائمة التراث العالمي المهددة بالخطر، ويشجب قيام السلطات الإسرائيلية بفتح النفق بمحاذاة الحائط الغربي للحرم المقدسي، تلاه بعد ذلك قرار 159 وصدر في 15 حزيران 2000، ويبدي القلق إزاء التدابير التي لا تزال تعوق حرية وصول الفلسطينيين إلى مدينة القدس وإلى الأماكن المقدسة في القدس القديمة، ثم القرار المرقم 184 صدر في الثاني من نيسان 2010، ويعرب عن القلق البالغ إزاء ما يجري من أشغال إسرائيلية من تنقيب وحفريات في مباني المسجد الأقصى والقدس القديمة، بما يتناقض مع قرارات اليونسكو والأمم المتحدة ومجلس الأمن، فالقرار 192 وصدر في 13 كانون الثاني 2014، وتشجب فيه المنظمة الأممية امتناع إسرائيل عن وقف أعمال الحفريات التي ما زالت تنفذها في مدينة القدس الشرقية، وتشجب التدابير والممارسات الإسرائيلية أحادية الجانب المتواصلة واقتحام المستوطنين في القدس الشرقية، ثم القرار 196 الذي صدر في 22 أيار 2015، ويعرب عن الأسف الشديد لرفض إسرائيل تنفيذ قرارات اليونسكو السابقة المتعلقة بالقدس، ولما ألحقته قوات الأمن الإسرائيلية في الثلاثين من تشرين الأول 2014 من أضرار بأبواب ونوافذ الجامع القِبلي، بالإضافة إلى إغلاق مبنى باب الرحمة، الذي يُعدّ أحد أبواب المسجد الأقصى، ويستنكر قرار إسرائيل الموافقة على إنشاء مشروع (تلفريك) في القدس الشرقية، تلاه القرار المرقم 200 وصدر في 13 تشرين الأول 2016، ويطالب إسرائيل بإتاحة العودة إلى الوضع التاريخي الذي كان قائما سابقاً.

                                                                                                                                           معهد ميديتريانه
                                                                                                                                                                                                                                                                                        أنـور صبــاح