• English
  • کوردی

النفط وفكرة الحاجة إلى حاكم للعالم

مؤسسات و شركات القطاع النفطي

7/9/2019 1:54:00 AM

في أواخر الستينيات، زار الرئيس الروماني نيكولاي تشاوتشيسكو (1918-1989) إيران، وتفاوض مع شاه إيران، محمد رضا. كان تشاوتشيسكو يعتقد أن ما هو موجود في الغرب ليس تقدماً بل انهيار، وبينما كان محمد رضا يعتقد أن "الدول الصغيرة لا تستطيع أن تعيش بدون دعم القوى العظمى"، كان تشاوتشيسكو يقول: "على العكس، القوى العظمى هي التي لا تستطيع أن تعيش بدون احتلال الدول الصغيرة".

يقول تشاوتشيسكو، قبل تأسيس (أوبيك) طلبت من الشاه محمد رضا أن تشكل إيران والدول الأخرى المنتجة للنفط في الشرق الأوسط اتحاداً تسيطر من خلاله على سوق النفط. التحليل السياسي للبعد التاريخي يقول إنه لفهم أي حدث لا بد من أن تعود إلى زمن وقوعه. فمثلاً عندما سقط الشاه في إيران، تغيرت المعادلة بالكامل، لكن الأكبر من ذلك كان الفترة التاريخية، حيث كانت فترة الحرب الباردة. شابور خان، الصديق المقرب لمحمد رضا والذي كانت له علاقات جيدة مع البريطانيين، حاول الحصول على حق اللجوء في بريطانيا للشاه، وعندها كشف وزير الخارجية البريطاني، ديفيد أوين، عن أن الوقت ليس مناسباً لمجيء الشاه إلى إنكلترا، لأن أمريكا وبريطانيا تريدان إشعال حرب بين إيران والعراق، ومع اندلاعها سيخفضان أسعار النفط على هواهما إلى أدنى المستويات، وبهذا لن يتمكن الاتحاد السوفيتي الذي هو أكبر مصدّر للنفط من مواصلة الحرب في أفغانستان كما لن يتمكن من التدخل في دول العالم الثالث كما كان يفعل وبالتالي سينهار اقتصاده.

هذه الحقيقة التاريخية تذكرنا باندلاع حرب "داعش" في العراق وسوريا، عندما عادت روسيا كسلك شائك إلى الشرق الأوسط في 2011 وبدأت أحداث الربيع العربي (جاء ذلك بعد أن أعلن ميدفيديف في 2008 الخطة العسكرية الروسية لمواجهة الناتو وأمريكا، ومحاولتهما الاعتداء على الأمن الوطني الروسي عن طريق مد أنبوب نابوكو من تحت إبط روسيا). بعد ظهور داعش في 2014 وحتى 2017، سجل النفط أدنى أسعاره على طول التاريخ، وبتعبير آخر فإن للقوى الإقليمية يداً في ظهور الأزمات إلى جانب العوامل االداخلية والفراغ السياسي.

سؤال هل انتهت الامبرالية في الشرق الأوسط؟ مرتبط بما قد يكون في يد الشرقيون! في ما مضى كانت الدول العربية تتباهى وتقول للغرب: "نحن نمتلك النفط!" هذه عبارة خطيرة، فاليابان لم تكن تمتلك لتراً واحداً من النفط وتكالب عليها العالم، لكنها بعد خمسين عاماً ثأرت لنفسها من خلال التكنولوجيا، ورغم أن تحديد أسعار النفط بعد انتهاء الحرب الباردة وخاصة بعد سقوط نظام صدام في العراق والقذافي في ليبيا، خرج عن سيطرة الدول المنتجة للنفط، وكان العامل المشترك الذي سرّع سقوط نظامي صدام والقذافي هو أن الاثنين قالا: "سنبيع النفط باعتماد عملة اليورو وليس الدولار".

الآن، وبينما لم تعد الدول المنتجة هي التي تحدد أسعار النفط، والشركات الغربية متعددة الجنسيات هي التي توفر اللوازم التقنية، ماذا قد تقول الدول العربية التي لديها نفط؟ هناك نقطة هامة يجب أن يفكر فيها الذين يمتلكون النفط: أغلب الدول المتقدمة تستثمر في قطاع النفط من خلال شركاتها وبنوكها، وليس عندها قطرة من النفط في بلادها. فعراق ما بعد صدام ينتظر دائماً أن تعين أمريكا رئيساً له، ولبنان تنتظر لتعرف متى يتوجه وفد فرنسي إلى إيران ليتفقا معاً على اختيار مرشح لرئاسة الوزارة لهم! ولا يستطيع الأمير السعودي، محمد بن سلمان، إجراء أي إصلاح داخلي بدون دعم من ترمب الذي لم يقدم له هذا العرض مجاناً.

يبدو أن تشاوتشيسكو كان على حق وأعلم بأمور العالم، وليس الشاه محمد رضا الذي تقول زوجته "فرح" إن عائلة الشاه كانت منهمكة في ممارسة الجنس والتمتع والعيش كما يحلو لها. لو قرأت سيرة رضا شاه وابنه محمد رضا، لا تجد إشارة إلى أنهما طالعا أي كتاب، فكل سيرتهم تتحدث عن القصور والزواج ومهاجمة رجال الدين ودعوة أغلى الراقصات ومنتجي الأفلام العالميين. كانت عائلة الشاه منقطعة عن العالم الخارجي، لدرجة أنه عندما قامت الثورة وكان الشاه يستقل مروحية تحلق في سماء طهران، سأل مستشاريه ما هذا التجمع؟ فأخبروه أنهم أبناء الشعب خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن الدعم لكم.

كان الحوار بين تشاوتشيسكو ومحمد رضا يجري في محضر من العائلة، وقال تشاوتشيسكو لمحمد رضا: "كانت رومانيا إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية تصدر النفط، لكن الإمبراليين استخرجوا آخر قطرة من نفطنا وجفت كافة الآبار، والآن تقوم رومانيا باستيراد النفط"، وبدون الالتفات إلى الأعراف التشريفاتية قال للشاه: "في الظاهر، يشتري الأوروبيون نفطكم، لكنهم يدفعون لكم في المقابل مبالغ تكفي فقط لتوفير وسائل التصدير، مع إضافة قليلة تشترون بها الطعام وتعطونه للشعب كي لا يموت جوعاً، ولكي تواصلوا تزويد الغرب بالنفط".

وفي حضور عائلته، قال محمد رضا: "هذا الرجل مجنون، دعوناه ليشاركنا الاحتفال بمرور 2500 سنة على قيام الإمبراطورية الإيرانية، لكنه يهدر وقته في ترويج الدعاية المعادية للغرب".

هناك أمثلة كثيرة تؤيد فكرة تشاوتشيسكو هذه، وفي المقابل ليست أمريكا والغرب ونظرياتهما هشة لتطفو على الماء كقطعة فلين، فتقريباً كل القوميين في الشرق الأوسط وأوروبا مغتاضون من هنري كيسنجر ليس لأنه يهودي، بل لأنه يؤكد باستمرار على أن استقرار العلاقات الدولية وحماية العالم من الوقوع في أتون حرب شاملة، يستوجب أن يكون هناك حاكم (قوة عظمى كأمريكا) ويرى في قوة أمريكا عامل أمان وقوة للعالم، وكل الواقعيين الذين يرسمون السياسة الخارجية الأمريكية يفكرون بهذه الطريقة، نظرية "ترسيخ السلام عن طريق القوة"، وكان جورج بوش الابن يعتقد جازماً بتحقيق الأمان للشرق الأوسط الكبير عن طريق القوة.

الكورد ككيان وكمالك للنفط، بحاجة إلى رؤية براغماتية، مثلاً عندما يكون كل العالم في أزمة فإن ذلك يعني وجود فرص في كل العالم، فها هو الشريف حسين "شريف مكة" مولود في إسطنبول، لكنه عربي يحمل كل غيض العرب على مدى ستة قرون من حكم الأتراك، وعندما انتهت الخلافة لم يذهب إلى هذا وذاك لإحياء الخلافة، بل ذهب إلى الحجاز وتعاون مع بريطانيا وفرنسا وقسموا له سوريا الكبرى إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ودولة اسمها العراق، وعينوا ابنه "الملك فيصل" ملكاً على العراق، ولم يقل شريف مكة إن هؤلاء انكليز ونحن أهل سنة وجماعة فكيف نزودهم بالنفط. في نفس الوقت كان الشيوخ الكورد في كوردستان أكثر سنية من العرب، فورطوا كوردستان وأنفسهم في ما سجله التاريخ.

الآن، ينبغي أن نتساءل: هل أن الدول الصغيرة لا تستطيع أن تعيش بدون الدول العظمى أم أن الأخيرة لا تقوى على العيش بدون احتلال الدول الصغرى. فلكل رأي مبررات مختلفة، لكن أهم العبر لكوردستان التي تملك النفط والغاز الكثيرين، تتركز في التساؤل لماذا تلعب الإمبريالية دوراً سيئاً في الدول المنتجة للنفط؟ لماذا تمارس عائلة شاه إيران الفساد والظلم لعشرات السنين وتسكت أمريكا وبريطانيا، لكن عندما يقول محمد رضا: "لن أبيع النفط بثمن بخس بعد اليوم"، يبدآن بمعاداته. لماذا مارس صدام والقذافي الدكتاتورية وسفكا الدماء لعشرات السنوات، ولم تنبس الإمبريالية ببنت شفة، لكن عندما قالا: "لن نبيع النفط بالدولار"، أسقطتهما في فترة قصيرة! لماذا سكت الغرب عندما استولى جمال عبدالناصر على الحكم بانقلاب ومثل الروح القومية العروبية، لكن عندما قام بتحديث قناة السويس تكالب عليه الغرب؟!